قراءة الاستاذ صلاح فتوح في قصيدة معارج الأوطان كلمات رمزي حلمي لوقا

 



• الزهد والورع والتضحية والفداء مقامات لا يبلغها إلا من حرر نفسه من ملذات الحياة ملبيا نداء الحق .. يعيش حياته في ذل لله وانكسار غير راغب في متاع الحياة وزخرفها .. غير راغب سوى في نعيم الآخرة.. ولا يبلغ تلك المراقي بكسب منه أو جد أو سعي بل يأتيه الفتح والهبة من الله بحسن التوكل عليه والرضا بما قسمه له .. 

• يختتم الشاعر البيت الأول لقصيدته بتعجب "!!" وكان قد بدأ أول كلمة فيه بهمزة إستفهام "أتستعر". يبين لنا بينهما ويصور حالة الفوران والثورة أو التحول التي يمر بها بل ليؤكد أن لديه من الأسلحة ما لا يقل كفاءة عن الأسلحة التقليدية التي تستخدم في الحروب.. فيقول:

• أتستعر التمائم...وكأنه يقول لقد اشتعلت الكلمات التي نظمتها في شدوي وتملأ معانيها كياني كالنيران بغية الفكاك من أسر إختلاطها في مشاعري ونظمها على الورق لتتحول إلى طاقة تحرك الجسد وبارود يحرر الوطن..فأنا كالصوفي والدرويش والقديس والمُخَلِّص ..لم يحملوا متاعا ولا زادا في رحلتهم إلى الله.. بل كانوا زهادا في العيش وفي الحياة ..مناضلين ضد الباطل .. مناصرين للحق .. متحابين .. متصالحين مع أنفسهم .. متسامحين مع الغير ..متيمين وعاشقين في حب الله .. يعرفون قيمة التضحية والفداء من أجل تحقيق أغلى الأماني وهي القرب من الله والمعية مع الله ..

• كدرويش أو مجذوب قد تخلص من حكم نفسه وهواه وأصبح مجذوبا إلى الله وبإرادة الله.. زهد الدنيا ومتاعها وقضى حياته في خرقة بالية يطوف ويجول بين البشر ولكنه ليس معهم متعلقا بالآخرة..

• كصوفي أعد العدة للسفر البعيد ..فقام ليتهيأ لمقام الله.. يتمتم بصوت خفيض وهو يتلو صلواته تقربا وزلفى واشتياقا إلى الله ..

• كحلاج أسقمه العشق والحب لله الواحد القهار إختيارا وأصابه الوهن والهزل الذي بات فيه سنين طويلة للعروج إلى الله..

• كقديس أو مصلوب قدم نفسه قربانا ليفتدي غيره من عقاب أو حساب لأي خطيئة يرتكبها غيره فعُلِق مصلوبا وتقطعت أوصاله وسُفِك دمه ..

• إذا فشفافية الروح ونقاء القلب والسريرة وإخلاص النية في العمل هي أدوات وسبل القرب إلى الله.. يتسلح بها من كان قلبه معلقا بالله ليتسنم بها أعلى المراقي عبر سبل ومعابر غير مأهولة وغير معبدة وغير ممهدة ذللها الله لقلوب عابريها ومرتديها فلم يأبهوا لمشاق السير فيها فاكتست كل أعطافهم من إخمص قدميهم حتى الذؤابة بثوب الحماية والحفظ من الله ..

• هذه هي أفعال وأحوال المخلصين الراغبين في الآخرة الزاهدين في الحياة الدنيا .. الباذلين أرواحهم فداءا عن الآخرين ومن أجل بقاء الوطن .. تركوا ملذات ومتاع الحياة الدنيا أملا في نعيم الآخرة ..فتنوعت مساراتهم واختلفت أحوالهم مختارين .. وهذه تضحياتهم ومصائرهم من أجل الوصول الى معارج الأنس والقرب من الله .. طامعين في نيل رضا الله.. فنالواما يشتهون من رب العالمين.

• إنظروا إخوتي الأحبة إلى هؤلاء وتدبروا واتعظوا ..لماذا أختاروا هذا الطريق الوعر ! وكيف تحملوا صعابه ومخاطره ! ولما قبلوا تحدي هذه المشاق وهم يعلمون أنهم هالكون ! .

• كذلك الأوطان الحرة .. هي منازل الأحرار المناضلين يفتديها أبناؤها الشجعان المخلصين .. يبذلون الغالي والنفيس من أجل رفعتها ويتحملون المصاعب والمشاق من أجل عزتها ويقدمون أرواحهم وحياتهم من أجل بقائها .. ولا نامت أعين الجبناء !

• أما الشاعر المرهف الحس الراهب في محراب الأدب والشعر .. الحر الذي أتعبته قيود وشغلته هموم الأوطان .. وأحزنته تصرفات الإخوة ورفاقه في الوطن .. فأعطى إشارة الإنعتاق لمشاعره لتنساب على سنام قلمه كلمات مبثوثة من دمه ليعبر بها عن أحاسيسه الراقية النابعة من حشاشة قلبه الصافي وروحه الطاهرة وفكره وعلمه اللدني .. وأراد أن يبلغ أعلى المعارج لوطن مستقر مستقل ينعم أفراده بالراحة والسكينة والطمأنينة ورغد العيش .. وتلك رؤى ومبتغى الشرفاء الأنقياء المخلصين العاشقين لله و لأوطانهم ..

• أعذرني أخي الفاضل فيما خضت فيه ولم أصل بعد لمرادك.. وفيما قصر فيه فهمي للوصول إلى المعاني النبيلة والقيم السامية التي طرحتها .. ولم ترق إليه روحي لترتاد أحوال ومقامات العبودية الحقة شديدة السمو والرقي عصية المنال إلا على أصحاب القلوب النقية ..

...

بقلم 

الأستاذ

صلاح فتوح


وها هي القصيدة


مَعَارِجُ الأوطَان


أتَستَعِرُ التَّمَائِمُ في قَصِيدِي


وأعطَافِي 


لِتَلتَمِسَ انعِتَاقَا !!

،،

كَصُوفِيٍّ

 تَيَمَّمَ حِينَ مَاءٍ


يُزَمزِمُ وِردَهُ الـ " يَدنُو اشتِيَاقَا "

،،

كَ " حَلَّاجٍ " بَرَىٰ في العِشقِ قَابًا


مِن القَوسَينِ أعمَارًا رِتَاقَا

،،

كَمَصلُوبٍ على جِذعٍ عَتِيقٍ


تَوَضَّأَ في الدِّمَا كَفًّا وسَاقَا

،،

بِأوصَالٍ مُقَطَّعَةٍ ورُوحٍ


تُزَمِّلُ وَجدَهَا الـ " يَغدُو احتِرَاقَا "

،،

أنا الحَلَّاجُ يا قَومِي تَعَالوا


لِأَدعُوَكُم إلَى العِشقِ اعتِنَاقَا

،،

وهَذِي خِرقَةُ الصُّوفِيِّ أَبلَتْ


أَدِيمَ ذَوَاتِنَا .. تَهفُو انسِحَاقَا

،،

وهَذِي جُبَّتِي ما عُدتُ فِيهَا


سِوَىٰ طَيفٍ هُيُولِيٍّ .. يُلَاقَىٰ

،،

كَمَجذُوبٍ

 وعِرفَانٍ تَرَاءَىٰ


لَهُ العِلمُ اللَّدُنِّيُ انبِثَاقَا

،،

فَكَيفَ لِشُعلَةٍ في حِضنِ شَمسٍ


وقَد ذَبُلَت وما تَرجو افتِرَاقَا

،، 

فَإِنَّ ذُؤَابَتِي يا مِصرُ قُدَّت


وبَعضُ حُشَاشَتِي تَذوِي اختِنَاقَا

،،

فَكَمْ ظَلَمُوكَ يَا قَلبًا تَسَامَى


وَكَم سَحَقُوكَ بُغضًا واختِلَاقَا

،،

كَقِدِّيسٍ يَسُوعِيٍّ أَمَاتُوا


على حَقَوَيهِ سَيفَهُمُو امتِشَاقَا

،،

كَ " دَروِيشٍ "  أنا

أَخلَيتُ ذَاتِي


مُطَهَّرَةً 

مُحَلِّقَةً

بُرَاقَا

،،

بِمِعرَاجٍ دَنَوتُ بِكُلِّ ضَعفِي


تَلَوتُ مَدَائِحِي دَمعًا مُرَاقَا

،،

لِأوطَانِي عَرَجتُ اليَومَ عِشقًا


ونَادَيتُ الصَّوَاحِبَ والرِّفَاقَا

،،

فَكَانَت طَعنَتِي جُرحًا مُمِيتًا


وكان سَبِيلُ رِفعَتِهم نِفَاقَا

،،

تَسَنَّمَ بَعضُهم خُبثًا ولِينًا


وكان صَنِيعُهم فينا اختِرَاقَا

،،

مَآرِبُهُم لِهَدمِ البَيتِ شَتَّىٰ


لِسُلطَانٍ سَعَوا فِينَا ارتِزَاقَا

،، 

فَثُورِي يَا صُقُورَ الفَجرِ ثُورِي


لٌأنَّ الأُفقَ يَزدَادُ انغِلَاقَا


،،،

كلمات 

رمزي حلمي لوقا

أغسطس

2023




تعليقات